ماذا سيحدث لو تم تصنيع سيارة دون أي قواعد أو حدود؟ ستكون تلك السيارة أول هايبركار في العالم. بدأت الفكرة عندما وقع المصمم المعروف في شركة ماكلارين، غوردون موراي، في حب هوندا NSX، حيث اعتبرها موراي أفضل من بورشه 911. ولم يكن مجرد مصمم عادي، بل يعتبر حتى اليوم من رواد تصميم سيارات السباق.
في تلك الفترة، على عكس بورشه وفيراري، لم تكن ماكلارين تبيع سيارات قانونية للطرق. فاقترح منصور أوجيه، الداعم المالي لفريق ماكلارين للفورمولا 1، على موراي واثنين من زملائه فكرة جديدة: “لماذا لا نصنع سيارة للطرقات؟” وقال لهم: “لنصنع أفضل سيارة للطرقات في العالم.”
بدأوا معًا بمناقشة تفاصيل الفكرة التي أصبحت تعرف لاحقًا بشركة ماكلارين كارز ليمتد. وبينما كانوا يتجادلون حول الفكرة، كان غوردون موراي، جالسًا في زاوية بورقة، يصمم سيارة F1 التي ستصبح أحد أعظم الأيقونات الهندسية في التاريخ.
من هو غوردون موراي؟
وُلد إيان غوردون موراي، ابن سائق الدراجات النارية الإسكتلندي، في عام 1946 في ديربان، جنوب أفريقيا. كان والده يعمل في شركة بيجو خلال النهار ويساعد الناس على بناء سيارات السباق في الليل لأن القليلين كانوا قادرين على شراء سيارة سريعة آنذاك.
كان يصطحب موراي الصغير كل يوم أحد لمشاهدة السيارات التي صنعها وهي تتسابق. درس موراي الهندسة بسبب تأثير والده، ولكنه كان يريد شيئًا آخر: سيارات السباق. وبما أنه لم يكن لديه المال لشراء واحدة، فقد اشترى سيارة فورد أنجليا محطمة عندما كان عمره 21 عامًا. قام ببناء محركها في غرفته، حيث لم يكن لديه مرآب، ولحام هيكل السيارة فوق حديقة والدته. وبهذا الأسلوب، صنع سيارته الخاصة، IGM Ford أو T.1.
مسيرته المهنية
بعد فوزه بالعديد من السباقات في تلك السيارة، قرر موراي متابعة شغفه في هندسة السباقات. باع سيارته ليشتري تذكرة طيران إلى إنجلترا، وبدأ بتصميم سيارات الفورمولا 1 الحائزة على البطولات. كان يطمح للعمل في لوتس لكنه انضم إلى برابهام حيث تم تعيينه ككبير المصممين. وهناك، صمم BT46B، والتي عرفت باسم “سيارة المروحة” بسبب المروحة العملاقة في الخلف التي تولد قوة سفلية هائلة عن طريق امتصاص الهواء من أسفل السيارة.
كان هدفه الوحيد هو التفوق على الجميع والفوز. في عام 1987، غادر برابهام وانضم إلى ماكلارين، حيث واصل تصميم سيارات حققت أرقامًا قياسية، بما في ذلك تصميم سيارة ساعدت آيرتون سينا في الفوز بأول بطولة له.
المعايير
وفقًا لموراي، يجب أن تزن ماكلارين F1 أقل من 1000 كغم، ويجب أن يكون معظم وزن السيارة بين العجلات الأمامية والخلفية. لكنه أراد تجنب مشاكل السيارات ذات المحركات الوسطى، مثل زيادة الانحراف. كما أراد أن تكون قابلة للقيادة على الطرق العامة، مستقرة على السرعات العالية ولكن مريحة في السرعات المنخفضة.
ما كان يرغب به موراي هو أن تجمع ماكلارين F1 بين الاعتمادية التي تتمتع بها هوندا NSX، وجمال ألفا روميو 33 سترادالي، وسرعة بورشه 959. رغم تفوقها على هذه المعايير، لم يكن التركيز على السرعة القصوى أو التسارع من 0 إلى 60 ميلاً في الساعة جزءاً من الخطة.
الاهتمام بالتفاصيل
كان من المقرر بناء السيارة بمواد مركبة مثل ألياف الكربون والتيتانيوم والذهب. صُممت بمقعد واحد للسائق في المنتصف ليكون في سيطرة كاملة على القيادة كما في سيارات السباق.
لن تحتوي على مساعدات السائق، لأن ذلك سيؤثر على تجربة القيادة في سيارة مخصصة لأفضل تجربة قيادة. كان موراي واثقًا من أنه يستطيع تصميم الهيكل المثالي، لكنه احتاج لمحرك يلائم طموحاته. أراد محركًا بقوة 100 حصان لكل لتر وحجم 5.5 لتر يوفر 550 حصان، وأن يكون V12 ذو سحب طبيعي وبوزن أقل من 250 كغم.
السعي للكمال
تواصل موراي مع هوندا وإيسوزو ودرس حتى إمكانية التعاون مع فيراري، لكن هوندا لم تستجب، وإيسوزو لم تكن معروفة كفاية، بينما كانت محركات فيراري غير موثوقة. هنا تدخل صديقه القديم بول روش من بي إم دبليو، وصمم محركًا V12 مدهشًا يُعرف باسم S70/2 بقوة 627 حصان.
الأيقونة في التسعينات
نحن نتحدث عن أوائل التسعينيات، وكان هذا المحرك بمثابة الكنز المقدس في عالم السيارات. تم تثبيت المحرك خلف المقاعد الخلفية، وملفوفًا بالذهب للحفاظ على درجات الحرارة. وصُنعت أنابيب العادم من مادة إنكونيل، وهي مادة خفيفة وقوية تتحمل درجات حرارة عالية.
حتى أن العادم، مثل كل شيء آخر في ماكلارين F1، كان له غرض مزدوج؛ إذ يعمل كمنطقة انكماش خلفية لحماية السيارة في حال حدوث تصادم.
اختيار التصميم المثالي
تم بناء أكثر من 1000 نموذج حتى وقع الاختيار على أفضل أربعة، ثم تم اختبارها آلاف المرات في نفق الرياح. الفريق اختار النموذج ذو أكبر قوة سفلية وأقل مقاومة. وأخيرًا، في عام 1991، تم تشكيل النموذج النهائي ووضعه بجوار هوندا NSX، وهذا ما كان يريده موراي بالضبط: نسخة أصغر لكن أسرع من NSX.
المنتج النهائي
كانت المنافسة في عالم السيارات الخارقة في التسعينيات قوية مع سيارات مثل فيراري F40 وبورشه 959، لكن ماكلارين F1 تفوقت عليهم. كانت سريعة لدرجة أنه كان من الصعب عدم كسر القانون، ورغم ذلك كانت مريحة بما يكفي لتستطيع والدتك قيادتها للتسوق.
كان هناك عزم دوران أكبر عند 1500 دورة في الدقيقة مقارنة بمعظم السيارات عند الخط الأحمر. كل هذا كان في سيارة لم تصمم لتكون سريعة فقط، بل لتكون الأفضل على الطرقات. وبلغت كفاءة الوقود 8.5 كيلومتر لكل لتر، ويوجد فقط 60 سيارة ماكلارين F1 في العالم حاليًا، وما زالت مميزة.
تمكن صحفيون في عالم السيارات من تجاوز 200 ميل/الساعة بهذه السيارة، وفي عام 1998، سجلت 391 كيلومتر/الساعة على مضمار اختبار فولكس واجن في ألمانيا، مما جعلها أسرع سيارة إنتاجية بسحب طبيعي في التاريخ.
الخاتمة
كانت أندر من فيراري، أغلى من لامبورغيني، وأسرع من بورشه. لقد صنع غوردون موراي قطعة فنية، تحفة هندسية، تتجاوز ما كان يمكن لأي شخص في ذلك الوقت تخيله.
آلة متوازنة بدقة، تتمتع بأداء شعري في سلاسته، ورغم هدوئها الظاهر، كانت قادرة على إظهار قوة هائلة عند الحاجة. هذه هي القصة التي جعلت ماكلارين F1 أعظم هايبركار في التاريخ.